وادي حجر وادي حجر
random

شريط العناوين

random
random
جاري التحميل ...
random

التراث الشعبي

 

تعريف التراث الشعبي:

     لكلِّ أمة من الأمم جذور متأصلة في كيانها اصطُلح على تسميتها بالتراث. وقد استقرَّ في تاريخ الحضارات جميعًا أن التراث أحد جملة من الأعمدة تقوم بعبء تأسيس النهضة، ومن أجل ذلك عُنيَتْ كلُّ أمة بما تعتقد أنه مرجعية مؤسِّسة لها، فالأمم بماضيها قبل أن تكون بحاضرها؛ فمن هذا الماضي تستمد وجودها، وبالحفاظ عليه يكون بقاؤها متميزة، وفي رحابه تعيش قوية بكيانها ومقوماتها. والتراث الحضاري لأي أمة في العالم هو الأساس الذي تبني عليه مكانتها، وتحدِّد به هويتها ومسيرتها، كما يُستدلَّ به على مدى عراقتها في التاريخ، ونوعية إسهامات رجالها في حركته، ومدى تأثيرها فيه وتأثرها به.

     التراث في معاجم اللغة العربية وفي الأدب العلمي العربي هو: (ما ورثناه عن الأجداد)، وأصلها من ورث، يقول ابن منظور في لسان العرب المحيط: "ورثه ماله ومجده"، وأصل كلمة تراث في اللغة من مادة (ورث) التي تدور حول "ما يتركه الإنسان لمن بعده "وقال الله تعالى: أخبارًا عن زكريا ودعاءه إياه، ﴿فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيًّا. يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ﴾، أي: يبقى بعدي فيصير له ميراثي، ويقال: (أورثه الشيء أبوه) أو (ورثه بعضا عن بعض قدما)، أو أورثه (كابرًا عن كابر)، وروي عن النبي محمد (ص) أنه قال: "اثْبُتُوا عَلَى مَشَاعِرِكُمْ، فَإِنَّكُمْ عَلَى إِرْثٍ مِنْ إِرْثِ إِبْرَاهِيمَ".

     وقد قرر مجمع اللغة العربية في القاهرة، وضع كلمة (تراث) بدلاً من كلمة (فولكلور) الإنكليزية. على اعتبار أن كلمة (تراث) تشمل ما تركه الأوائل من مؤلفات لغوية وفروعها، والعلوم منها الطبية والفلكية والصناعية وغيرها، وأبنية وقلاع، وفنون من رسم وموسيقا وغناء وغيرها، وكلها تشملها كلمة (تراث)، وكان لا بد هنا من تحديد كلمة خاصة مرادفة ل(الفلكلور) وفرزها عن التراث الحضاري أو التراث القومي، ووضعت تحديدًا كلمة (التراث الشعبي) فأينما تجد (فولكلور) فهو إذاً (التراث الشعبي) والعكس صحيح.

تعريف التراث:

     للتراث تعريفات كثيرة عن علماء وكُتاب التراث، ومن أهمها ما قدمه فيليبس Philips وويلي Willey (في مؤلفهما الصادر عام 1953م). وهم من علماء الآثار والتراث، حيث يقولان: "أن التراث عبارة عن استمرارية ثقافية على نطاق واسع في مجالي الزمان والمكان تتحدد على أساس التشكيلات المستمرة في الثقافة الكلية وهي تشمل فترة زمنية طويلة نسبيًا وحيزًا مكانيًا متفاوتًا نوعيًا ولكنه متميز بيئيا".  بل إن هيرسكوفيتس Herstkovits يرى أن التراث مرادف للثقافة ولو أن استعمالها: "قد اكتسب مضامين من أنواع مختلفة أو صفات مختلفة للسلوك الاعتيادي".

     التراث بمفهومه البسيط: هو خلاصة ما خلَفته (ورَّثته) الأجيال السالفة للأجيال الحالية. فالتراث: هو ما خلفه الأجداد لكي يكون عبرة من الماضي ونهجًا يستقي منه الأبناء الدروس ليعبروا بها من الحاضر إلى المستقبل.

     والتراث في معناه الاصطلاحي العام: هو كل ما أثمره العقلُ البشري في مختلف مناحي الحياة الفكرية والمادية والمعنوية، وذلك من خلال التفاعل والحراك الفكري والاجتماعي، وصار ميراثًا للأبناء من الآباء، سواء أكان ميراثًا عمرانيًّا وماديًّا، أم كان لغةً أو فكرًا، أو عادات وتقاليد، أو تجارب وخبرات، أو علاقات اجتماعية... إلخ.

     ومن الناحية العلمية: هو علم ثقافي قائم بذاته يختص بقطاع معين من الثقافة (الثقافة التقليدية أو الشعبية) ويلقي الضوء عليها من زوايا تاريخية وجغرافية واجتماعية ونفسية. والتراث الشعبي عادات الناس وتقاليدهم وما يعبرون عنه من آراء وأفكار ومشاعر يتناقلونها جيلاً عن جيل. ويتكون الجزء الأكبر من التراث الشعبي من الحكايات الشعبية مثل الأشعار والقصائد المتغنّى بها وقصص الجن الشعبية والقصص البطولية والأساطير. ويشتمل التراث الشعبي أيضًا على الفنون والحِرف وأنواع اللعب، واللهو، والأغاني أو الحكايات الشعرية للأطفال، والأمثال السائرة، والألغاز والأحاجي، والمفاهيم الخرافية والاحتفالات والأعياد الدينية.

     تفسير التراث: هو نشاط تعليمي يهدف إلى كشف المعاني والعلاقات من خلال استخدام الأشياء الأصلية عن طريق التجربة المباشرة والوسائط التوضيحية، بدلاً من مجرد توصيل معلومات واقعية.

أنواع التراث وأشكاله:

1-التراث الحضاري: وهو يشمل ما خلفه لنا الأسلاف من تراث حضاري قديم مثل الآثار بكل أنواعها ويشمل التراث البابلي والسومري والآشوري بكل عادياتها من مسكوكات وجِرار وأوانٍ ورسوم ونقوش.. وهو ما يسمى بـ (الآثار القديمة).

2-التراث القومي: وهو التراث الذي يشمل الفترة الزمنية التي ظهرت فيها القوميات بأشكالها كافة وأخذت لها نظامًا معينًا وحافظت عليه وظهرت على أثرها الأمم والقوميات واعتزت بتراثها وعلمائها من مفكرين وشعراء ومغنين وأطباء، حيث ظهرت في فترة القوميات الرومانية والفارسية والإغريقية والعربية واتخذت لها أشكال القومية المستقلة لغة وأرضا وشعبًا وعليها بني التاريخ الحديث لكل أمة.

3-التراث الشعبي: وهو مكمل للنوعين الأوليين الحضاري والقومي، حيث أصبحت لكل مجموعة أو بيئة صفاتها التي تتميز بها من عادات وتقاليد وصناعات وملابس... إلخ.

     ولكن علماء الاجتماع (الأنثروبولوجيا) كانوا أكثر دقة وعلمية، حيث قسموا التراث إلى فروع وأقسام لتأخذ حصتها من الدراسة الدقيقة جدا.. مثلاً خبر العالم أريكسون أنواعًا أربعة للتراث.

أنواع التراث (حسب تصنيف إريكسون):

التراث الاجتماعي: وهو التراث (الحياة المباشرة) وعلى مستوى أفقي ممتد مع الحياة بأشكالها كافة.

التراث (النشأوي): ويعد مكملاً للتراث الاجتماعي ويتضمن عليه النقل من جيل إلى آخر أو من مرحلة إلى أخرى وهذا النوع من التراث في تفاعل مباشر مع التراث الاجتماعي.

التراث المادي: ويتضمن جميع المنتجات الثقافية المخزونة.

 التراث الأدبي: يعتبر من المميزات الخاصة للتراث المادي وظهر مرتبطًا بفن الكتابة وهناك تشعبات كثيرة في التراث، منها التراث غير المادي والتراث الثقافي يدخل من ضمنها كل تراث الثقافات من أغانٍ وأشعار وقصص أو أساطير أو ملاحم وغيرها إلا أنها تؤكد حقيقة واحدة واضحة وضوح الشمس المشرقة، وهي أن التراث ليس أدبًا قديمًا وليس مؤلفات الأجداد فقط، بل أن التراث يعيش في ثقافة الشعب ككل متكامل، وأن الجزء الأكبر من التراث يعيش في الحياة الشعبية Folklore والتي لها ثقافة مميزة هي الثقافة الشعبية Culture تمييزًا لها عن الثقافة الرسمية الموضوعة (المكتوبة) مثل القصص القصيرة والروايات التي وضعها الأدباء المحدثون.

مصادر التراث:

     أن ما خلفه الأقدمون من مصادر مكتوبة هي أهم مجال لدراسة الباحث عن التراث، يليها كتب الرحالة العرب والأجانب والمستشرقون والوثائق والمخطوطات كلها تعطي صورة متكاملة لمختلف جوانب الحياة التي اندثرت. لكن حياة البشر اليومية أمر لا يمكن إغفاله، فقد انتقلت للثقافة المعاصرة، كل تجارب المجتمعات السابقة وبميل بعض الباحثين إلى اعتبار التراث ظاهرة ثقافية توقفت عن التطور، وكانت مرتبطة بمرحلة تاريخية معينة. وخلاصة القول إن الدارسين للتراث يحصرون اهتمامهم في المصادر المكتوبة وذلك في العالم العربي بشكل خاص، وعلينا ألا نغفل دور علماء العرب الأقدمين أمثال الجاحظ الذي كتب عن حياة العامة في عصره وعن المكدين والشحاذين والصعاليك عام (775م - 868م) وكتاب البخلاء خير شاهد على ذلك وكذلك عبدالله بن المقفع 759م بكتابه (كليلة ودمنة) وكتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني (897م - 967م) وكذلك الفارابي بكتابه الموسيقي الكبير (950م) وابن خلدون بمقدمته المعروفة. وأخيرًا انستاس ماري الكرملي الذي توفي عام 1946م جامع للأساطير والحكايات الشعبية...إلخ.

استخداماته:

     تستخدم مواد التراث الشعبي والحياة الشعبية في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة للأمم والشعوب والتي لا يوجد لها إلا شواهد ضئيلة متفرقة وتستخدم أيضا لإبراز الهوية الوطنية والقومية والكشف عن ملامحها. التراث والمأثورات التراثية بشكلها ومضمونها أصيلة ومتجذرة إلا أن فروعها تتطور وتتوسع مع مرور الزمن وبنسب مختلفة وذلك بفعل التراكم الثقافي والحضاري وتبادل التأثر والتأثير مع الثقافات والحضارات الأخرى وعناصر التغيير والحراك في الظروف الذاتية والاجتماعية لكل مجتمع. ويتنوع التراث باختلاف ما تحمله الجذور إلى الشجرة. فقد تحمل إليها قُوتها المُمَثل في الأملاح المعدنية وهو بمثابة ما دوّن من التراث فإن فقد فستصير الأمة كشجرة حبست عنها الأملاح المعدنية فستذبل حتما شيئا فشيئا ثم تضمحل. وقد تحمل الجذور الماء فتتناقله مكونات الشجرة ليشربوا منه واحدا تلو الآخر فيشرب كل سلف ويسلم الماء لخلفه شأن تواترته الأجيال أبا عن جد من تراث شفوي كالأمثال الشعبية والحكايات الهادفة وغيرهما. فمن رفض الماء وحبسه عن نفسه سيجف من محتواه القومي ثم ينقطع عن سياق حضارته فيسقط من على الشجرة إلى سطح الأرض حيث نقطة الصفر. في جانب آخر، نلاحظ جريان سلوكيات خاصة في عروق كل أمة. وهو تراث سلوكي يمثل بالهواء الذي يبث الحياة في الشجرة فهو ملتصق بها التصاق السلوك بالإنسانية كما أنها تتحرك بحركته حينما يدغدغها نسيمه العليل. أما ما خلفه الأجداد من آثار ظلت مصانة كالحصون والقصور والسيوف والدروع وغيرها مما شهد على أمجاد أمتنا العظيمة فهو بمثابة المواد العضوية التي تركتها الكائنات الأخرى في تربة بعد مذبلها أو مماتها لكي تنهل منها الشجرة إلى أن تصبح قادرة على تكوين مادتها العضوية بنفسها.

     لا حضارة بدون تراث لأنها ستصير حضارة طفيلية ترتوي من تراث الآخر دون تراثها شأن الطفيليات التي تتقوت مما تنتجه الأشجار الأخرى فما إن تحبس عنها الأشجار قوتها حتى تندثر مهما بلغت طولاً وعرضا. بل يجب أن تكون الحضارة أصيلة لا تبعية عندها، مستقلة تملك جذورها العميقة.

 الصناعات التقليدية: نتاج حضاري لآلاف السنين من التفاعل الحي بين المجتمعات المحلية بما تحمله من رؤى وقيم حضارية وبين بيئتها الطبيعية وبينها وبين المجتمعات الأخرى، وهي مكون أصيل للذاكرة الحضارية - خاصة في شقها التقني - ورصيد ومخزون للخبرات الحياتية والإمكانات الإنتاجية الذاتية المتاحة داخل كل مجتمع محلي.

أهمية الصناعات التقليدية: تغطي الصناعات التقليدية مدى بالغ التنوع والاتساع من المجالات: من تصنيع الغذاء والأدوية والغزل والنسيج والملابس والسجاد والحصير والفخار، وكذلك الصناعات التي تتعلق ببناء المساكن وإقامة السدود وحفر الآبار ووسائل المواصلات...إلخ، كما أنها واسعة وقابلة للانتشار وصولاً لأصغر وحدة عمرانية: قرية كانت أو واحة أو حيًّا وصولاً لأصغر وحدة للنسيج الاجتماعي الحضاري الحرّ وهي الأسرة النووية أو الممتدة. وانطلاقًا من هذه الرؤية تمثل الصناعات التقليدية الشموع التي نلجأ إليها عندما تنطفئ الكهرباء العمومية أي الوسائل المدارة مركزيًّا لسد حاجات الناس تضم الصناعات التقليدية تراثًا تقنيًا أُختبر بالممارسة عبر الأجيال، وهي بهذا المعنى تعطينا اتجاهات مستقبلية متميزة للتفكير والخيال وبالتالي الإبداع المنطلق والمرتكز على خصوصيتنا.

تفسير التراث:

     ويمكن وضع لافتات تفسير التراث في مراكز تفسير التراث المخصصة أو في المتاحف أو المواقع التاريخية أو الحدائق أو المعارض الفنية أو حدائق الحيوان أو الأحواض المائية أو الحدائق النباتية أو المحميات الطبيعية ومجموعة كبيرة من مواقع التراث الأخرى. وتتنوع وسائلها بشكل كبير للغاية، وقد تتضمن حالات السير المصحوبة بمرشدين ومحادثات ودراما والمحطات والعروض واللافتات والملصقات والأعمال الفنية والكتيبات والأعمال التفاعلية والأدلة السمعية والوسائط السمعية والبصرية. وتُسمى عملية تطوير نهج منظم لتفسير هذه القصص والرسائل والمعلومات باسم التخطيط التفسيري.

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

وادي حجر

2016