وادي حجر وادي حجر
random

شريط العناوين

random
random
جاري التحميل ...
random

الخَشَب (المناحل)

 

 الخَشَب (المناحل):

-الخَشَب: واحدته خشَبة، وهو ما يسمى في زماننا المناحل أو الخلايا أو المعَاسِل، وهي في العربية الفصحى (العَسَّالة) كما في القاموس، وكان أهل الديار (وما زالوا) يطلقون عليه (الخشب)، وهو مجاز مرسل علاقته الآلية؛ لأنهم عندما يبنون الخشبة يضعون فيها العُود الذي يَبْنِي فيه النحلُ خلاياه، وهذا العود الذي يُوضع في كهف من الكهوف، يُصنع من جذع شجرة كبيرة بتجويف وسطه ليكون بيتًا للنحل، قال أبو حنيفة: >وإذا عَسَّلَتْ النحلُ فما يَتَّخِذُ لها الناسُ من خَشَب خاصة فهو النحائت والواحدة نَحِيته، وإنما سُمِّيت نحائت؛ لأنها تُنْتَحَتُ بالفؤوس من سُوق الشجر العظام، وأَعْرفُ ذلك الخَزَم والعرعر والعُتُم ... وخلايا الخزم أوفقها للنحل، وشَهْدها أعظم لأنها أوسع.

ويسمون بناء الخشب في الكهوف (الإرْداح) وهي عربية فصيحة، فهي تعني تسوية الأرض، وإدخال الحجر بعضه في بعض، وتكثيف الطين عليه، وهناك مختصون في إرداح الخشب ويُسمى من يردح الخشب (المُرَدِّح) وقد يُسمى (عَمَّارًا) وأول ما يقوم به هو تسوية الأرض، ثم يسد كل ما يمكن أن يدخل منه المطر، ثم يبني الجوانب لئلا يدخل الهواء، وفي هذه الأرض المستوية يضع عُود الخشبة، وهو يختلف من خشبة لأخرى حسب مساحة الكهف في الصخرة أو تحتها، ثم يبني فوقه بالحجارة، ويسد كل الفتحات بالطين بحيث يكون سطح الأرض مستويًا لا يدخل من ماء ولا هواء.

ولِعُود الخشبة طرفان، كلاهما مفتوح، أحدهما يسمى المِنْفَضَة: (لوضع النِّفْض فيها) أو الوِلاج (لولوج النحل معها)، ويكون سطحها الخارجي منخفضًا عن السطح العام في شكل مستطيل أو مربع بمقدار شِبْر وفيه فتحتان يَلج من إحداهما النحل إلى العُود ويخرج من الأخرى، أما الطرف الآخر للعود فيسمى (الصُّنْع) ويُغطى بحجر كبير ثقيل، وبعض القبائل تُسميه (الغَلْقَة)، فإذا جاء موعد فتح الخشب لاستخراج العسل غطى (العَسَّال) المِنْفَضة أو الولاج بقطعة قماش أو قُفَّة من سعف النخل ثم يرفع الحجر الذي يغطي (الصنع) ثم يشعل النار في عود حطب كثيف الدخان؛ ليخرج النحل إلى جهة الولاج، ويجتمع هناك، وبعد خروج النحل يستخرج العسل، وإنما يُدجِّن على النحل ليحجزه في الجهة الأخرى لئلا يترك الخشبة، وليعود إلى مكانه بعد بناء (الصنع) مرة أخرى، وبعض القبائل تسمي (الصُّنْع) (مَشَارة) وهي عربية فصيحة يُقال شارَ العسل مشاره، أي استخرجه من الخلِيَّة (الخشبة) ومثلها الصُّنع فهو فصيح لأن النحل يصنع فيه العسل.

ويبدأ جلب النحل للخشب برشّ الخشب بالنِّفْض، ليتعرف النحل على الخشبة ويقع فيها، والنفض سائل ذو رائحة نفاذة تجذب النحل، وهو طُعم له كما يضع صياد السمك طعمًا في شبكة صيده، ويقوم النحالون بصناعة النِّفض لهذا الغرض في بداية فصل الربيع، وكلمة (نِفْض) عربية فصيحة، قال في القاموس المحيط: >النفض: عسل يُسوِّس، فيؤخذ، فيدق، فيلطخ به موضع النحل مع الآس، فيأتيه النحل<، والنفض نوعان نوع يصنع من شمع العسل حيث يؤخذ بناء الشمع الذي يرحل عنه النحل دون أن يملأه بالعسل ويخزن لمدة سنة تقريبًا ثم يخلط بالماء ويغلى على النار حتى تصبح له رائحة نفاذه ذات قدرة على جذب النحل إذا رُشَّت به الخشبة، أما النوع الآخر من النفض فيسمى (السِّرْف) وطريقة صنعه أن يترك بناء الشَّمع في الخشبة حتى يسوِّس وتتكون له رائحة جذابة للنحل ثم يُستخرج ويُخزن فإذا بدأ فصل الربيع أضيف إليه الماء وذهب النِّفَّاض به إلى الخشب ورشه في المِنْفضة، وهو أقوى جاذبية من النفض المصنوع من الناس، وهو الأكثر شيوعًا.

وتُسمى مجموعة النحل المهاجرة لأماكن الربيع بحثًا عن مكان تستقر فيه (الثَّوْل) وتبقى متعلقة بصخرة أو شجرة وترسل بعضًا منها للبحث عن المكان المناسب للاستقرار، وهذه المجموعة الباحثة تُسمى (الدَّرْج) ويمكن أن تسمى عَسَس النحل للبحث عن مأوى، فإذا جذبت رائحةُ النفض الدَّرْج عاد إلى (الثول) فطار معه وحطّ في الخشبة.

والنحل أنواع أو طبقات، وكل طبقة لها وظائف في صناعة العسل فأعلاه المَلِكة، وهي أكبر حجمًا، وليس لها حرية، لأنه لو كانت لها حرية لماتت إذا لسعت فيصبح الجند بلا ملكة فيتشتت؛ لأن الملكة هي الآمرة الناهية في مملكة النحل، والطبقة الثانية هي (الجُنْد) الذي يقف حارسًا على باب الخشبة ليمنع دخول أي غريب إليها، ولذا يتحاشى الرعاةُ المرور من أمامها طلبًا للسلامة، وهناك نوع ثالث هو العُمَّال ووظيفته تنظيف الخشبة مما يعلق بها من أوساخ ويُخرج النحل الميت منها، وهناك النحل الطَوَّاف وهو صانع العسل الذي يطوف بالأزهار البرية، ويمتص منها الرحيق الذي يصنع منه العسل، وهناك نوع من النحل دوره البناء فإذا أحضر النحل الطوَّاف الرحيق فدور نحل البناء هو بناء الشمع في أقراص ذات أشكال سداسية فإذا ما اكتمل البناء قام النحل الطواف بصب العسل فيها من الرحيق وكلما امتلأ قرص قام نحل البناء بإغلاقه وبَدْء بناء جديد حتى يمتلئ عود الخشبة ويأتي دور العسَّال ليأخذه.

أما (العِكْبر) فقال عنه في القاموس مادة (عكر): >عِكْبر، بكسر العين شيء تجيء به النحل على أفخاذها وأعضادها فتجعله في الشهد مكان العسل<، وما زال اللفظ مستعملًا لكن أهل الديار يقدمون الكاف فيقولون "كِعْبر" بكسر الكاف، وهو ليس كما وصفه صاحب القاموس بل هو الشمع يبنيه النحل ثم يرحل عنه دون أن يملأه بالعسل، ويعود ذلك لعدة أسباب منها: أن يوجد في الخشبة حشرة أو غيرها تتسبب في رحيل النحل فالكعبر هو مخلفات النحل بعد أن يَشُدَّ (يرحل) لأي سبب من الأسباب، وهو يستخدم دواء للجروح، ويضاف مع الزيت لتليين الأعصاب.

ومن أعداء النحل بعض الطيور، والنمل، والعناكب، والدبابير وبخاصة الحمراء، ومن الحيوانات الظَّرِبان الذي له قدرة على إزاحة الأحجار الكبيرة فوق الصُّنع مع صغر جسمه.

ولفتح الخشب لاستخراج العسل موعدان: شتوي في آخر فصل الربيع مع بدء حصد الزرع، وآخر في أول الشتاء ويسمى الفتح الصيفي، وهو للعسل الذي جناه النحل خلال الصيف.

وقد يكون للخشبة اسم، والأغلب أن تسمى باسم المكان الواقعة فيه، وكثير منها سَبِيل أي ثلث عسله صدقة وقد لا يكون كذلك، وللخشبة حُرْمة فلا يفتحها إلا صاحبها، ولذلك غرامة في الأعراف ويستثنون حالتين هما القَرِيص أي الملدوغ، والمرأة النفساء، فيجوز فتح الخشبة في غير زمن الفتح لهذين الأمرين، ولا حِشْمَة (غرامة) في ذلك بشرط أن يكون الفاتح هو المتولّي على الخشبة من مالك أو وكيل.

والجِلْد الذي يوضع فيه العسل عند استخراجه يسمى المَاعُون، ولكنه لا يوضع فيه مباشرة بل يُوضع ما يُستخرج في (السِّماط) وهو وعاء جلدي مفتوح له عُرَى، ثم يفرغ العسل في الماعون.

وعسل الديار ذو جودة عالية؛ لأنه عسل جبال، ولنوعية الأشجار والأزهار التي يمتص النحل رحيقها، وألوانه مختلفة حسب نوع الشجر.

وصدق الله العظيم القائل في سورة النحل: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ 68 ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ [النحل: 68-69].

إرسال تعليق

التعليقات



جميع الحقوق محفوظة

وادي حجر

2016